1995

كلمة الدكتور / فتحي أبو عرجه

رئيس هيئة المديرين / المدير العام

 

معالي الدكتور ممدوح العبادي أمين عام عمان الكبرى المحترم ضيوفنا الكرام ،

           أبنائي الطلبة وبناتي الطالبات ، أيها الحفل الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،

          إنه لمن دواعي سروري وبالنيابة عن إخواني من أسرة المدارس النموذجية العربية ، أن أرحب بكم ضيوفاً أعزاء / متمنياً أن يستمر هذا اللقاء المثمر والتواصل البناء ، وأن تكون هذه المناسبة حافزاً لنا جميعاً على العمل الجاد للارتقاء بهــــذه الـمدارس إلى المستوى الذي يليق بها والذي نطمح إليه جميعاً .

          لقد تأسست مدارسنا عام ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانين ، ومنذ ذلك العام وهي ترتقي كما ونوعاً ، لأن سياستنا التربوية تكمن في حقيقة هامة وهي أن الطالب هو الأساس ، وهو جوهر العملية التربوية ومحورها ، وأن الحفاظ على قدراته العلمية والخلقية واجب مقدس لدينا بل إننا اكثر حرصاً على روحه الوطنية والدينية والإنسانية .

          في العام الدراسي خمسة وثمانين كان عدد طلاب المدارس مائتين وعشرين طالباً وطالبة موزعين على عشر شعب ، ثلاثة منها للروضة ، وقد أخذ العدد يتصاعد إلى أن أصبح في هذا العام الدراسي الحالي ألفاً وخمسة وأربعين طالباً وطالبة ينتمون إلى خمسمائة وسبع وثلاثين أسرة كما ارتفع عدد العاملين من ثمانية عشر عاملاً في ذلك العام إلى مائة واثنين وعشرين عاملا في هذا العام .

          ومن أجل أن تتحقق أهداف المدارس التربوية نقوم بتوظيف الكوادر العلمية المؤهلة والمدربة تدريباً عالياً ، كما توفر المدارس للطالب كل الإمكانات اللازمة كالملاعب والقاعات والمختبرات العلمية واللغوية والمكتبية والحاسوب والمسرح وقاعة التنس الأرضي والموسيقا وغيرها بل إن كل صف دراسي هو صف نموذجي وفقاً للمعايير والمقاييس التربوية المطلوبة.

أيتها السيدات أيها السادة :

         تمثل هذه الكوكبة من الخريجين والخريجات فوجاً جديداً نعتز به ونفتخر ، فقد كانوا المثل الأعلى والنموذج الأمثل في حسن سلوكهم ، وفي جدهم واجتهادهم ، ظهر ذلك من خلال نتائجهم الجيدة في هذا العام كما في الأعوام السابقة ، وإني إذ أبارك لأهلهم وذويهم الذين تعبوا وسهروا وجاهدوا معنا ، نشعر بمشاعرهم ، ونشد على أيديهم ونقول لهم إن تربية الأبناء قاسية مريرة ، لكن قطف ثمارها هو الأكثر متعة لأنها الثمار الممزوجة بالعرق والجهد والسهر .

          أبنائي الطلبة والطالبات : تعلمون جيداً أنكم ستخرجون بعد اليوم إلى عالم مختلف عن عالم المدرسة ، عالم يتشكل فيه نماؤكم ، وتتحدد فيه هويتكم وانتماؤكم ، عالم تحاول فيه كل قوى الأرض التدخل بكل الوسائل والطرق لصناعته ، عالم قد نطلق عليه عالم المستقبل الواعد.

          وإنني أقول لكم ، ليس النظر إلى المستقبل في هذه الأيام فراراً من الحاضر إلى مستقبل مظلم ، ولا هو هروباً من الحضارة والتراث والأصالة للتوجه نحو حضارة الغرب المناقضة والمعادية لقيمنا الروحية والتراثية ، إن المستقبل ليس صورة ترسم ولا مرآة ينظر من خلالها إلى المجهول ، ولكنه صيرورة دائمة التغيير والتطور والتنوع ، وعمل دؤوب لا ينقطع ، المستقبل ليس هيكلاً ننقله أو نتمناه ولكنه روح تعصف في ضمير أبناء الأمة تدفعهم إلى عطاء متجدد يكون فيه خلاصهم من المعاناة والظلم والاحتلال .

          قد تقولون ، هل بناء المستقبل ممكن ؟ ، أو ليس هذا حلماً من الأحلام؟ ونقول صحيح أن عوائق في مثل عناد الصخور الصماء تحول بيننا وبين إشراق المستقبل ، ولكنكم مع ذلك تعيشون زمن الإحساس بالتحدي، حيث يجب أن تسود روح التوحيد بين المواطنين ، ونهج التكامل بين الأفكار ، وروح التشبث بالأوطان واستنهاض القيم الروحية الأصيلة ، لا أن يسود منطق التنافر ولغة التناقض ، وخطاب الفتنة الذي يحرك الدفين من الأحقاد والأمراض ويطلقه ، ولا أن تقودنا حالة الانهزام إلى استقطاب للهزيمة وتحويلها إلى عقيدة ، وصحيح أن بناء المستقبل في وطننا العربي الواحد أمام محنة وأزمة ، وإن ذلك يزداد خطراً ، إذا جهلنا كيف تتم معالجة الأمور والقضايا التي تهم الوطن والمواطن .

       وإن بناء المستقبل لا يعني السيطرة المادية على الأشياء فحسب ، ولكن أن نمسك بزمام المستقبل ، وإن بناة المستقبل العربي لا يقبلون أن يكونوا متفرجين ، ولا أن تفرض عليهم حضارات الأمم الأخرى ،إنها أعباء جسام لا ينهض بها إلا الإنسان المتعلم المثقف ، وقد تسلح بكل الوسائل العلمية والتراثية والروحية .

     ولهذا كان لا بد من إعادة تأسيس المؤسسة التربوية التعليمية، وإعادة تكون الثقافة والتعليم المدرسي وفق معالم وأسس من أهمها :

1.     أن تكون التربية متصلة بالحياة والمجتمع وتحسس هموم الوطن بحيث تحمي الأجيال الناشئة من الالتجاء إلى عوالم وهمية أو القبول بواقع مناقض لمنطق التاريخ والجغرافيا.

2.     أن تستجيب لطبيعة الإنسان العربي الروحية والمادية والتراثية وتفتح قلبه وذهنه على كل القوى المعادية التي تحاول تغيير مستقبله والانتقاص من حضارته وتشويه تراثه .

3.     أن لا تقتصر على نتاج الأفراد العاملين القادرين على زيادة النتاج ودفع عجلة النمو أسوة بما فعلت المجتمعات المتقدمة ، بل يجب أن يقترن ذلك مع تنمية القوى الفكرية والخلقية والروحية ، وأن لا تكتفي بنقل النماذج الغربية وكأنها صالحة لكل مكان وزمان.

4.     أن يكون معيارها الربط بين محوري التقدم: المحور العلمي والمحور الروحي والقومي وأن يكون المرء سيد أفكاره لخلق روح الإبداع في نفسه ، لا أن تقدم لها الأفكار في قوالب جاهزة.

5.     التركيز على ديمقراطية التعليم ، التعليم الممنهج ، وليس مجرد تعليم القراءة والكتابة وما يشبه محو الأمية ، وأن تتحقق مجانية التعليم ، وعلاقة المناهج بالوسط الاجتماعي وخطط التنمية ، مع الحصول على الكتاب بسهولة ويسر .

6.     ترسيخ مكانة اللغة الأم في مناهجنا ، لأن تغليب اللغة الثانية سيؤدي بلا شك إلى تدهور كبير في امتلاك ناصية اللغة الأم وأدبها الرفيع وبالتالي إلى عدم ارتباط الأجيال بتراثهم ودينهم وحتى وطنيتهم.

7.     تربية لا تتجه إلى تشكيل عالم من الجزر ، كل جزيرة فيه تطلب الخلاص والسعادة الذاتية ، تربية لا توطن فكر المواجهة الذاتي ولا تدير ظهرها لقيم الأمة الواحدة والوطن الواحد.

8.     أن يكون جوهرها التفاعل الدائم بين جيل الشباب وجيل الكهول وأن يكون في أساسها وأدواتها مجال حي لتربية متفاعلة ، لا ينفرد فيها جيل الكهول بتربية جيل الشباب الصغار ، وأن لا يحكم فيها جيل المستقبل بـأمل أو بيأس جيل الكهول وحده وأن لا يغلب فيها طموح الشباب وتطلعاته على ثوابت هذه الأمة من الموازنة بين الأصالة والحداثة ، بحيث تأخذ بالحداثة دون المساس بالأصالة تستطيع تجنب ذوبان جيل الشباب في الحضارة الغربية أو تغريب أفكارهم وفي ذات الوقت تجنب البقاء في دائرة التخلف والتبعية والتجزئة.

           أيها الأبناء الأعزاء من طلابنا وطالباتنا ، أنتم قلب الوطن النابض، عليكم تعقد الآمال ويتحقق الطموح ، فكل الأمم إنما حققت تقدمها وازدهارها بسواعد أبنائها الشباب فالتحديات كبيرة في عالم جديد انقلبت فيه الموازين وصارت الأرض غابة يأكل قويها ضعيفها ، فكونوا أنتم الأقوياء فكراً وجسداً وروحاً حتى نستطيع اللحاق بعربة الحضارة التي سبقتنا كثيراً .

        مرة أخرى أهنئ طلابنا وطالبتنا كما أهنئ ذويهم ، وأحثكم أيها الأبناء على الاجتهاد والمثابرة لأن امتحان الثانوية العامة على الأبواب ممثلاً بقول الشاعر :

 

لا تحسب المجد تمراً أنت آكله            لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

 

          إن أبواب المستقبل سوف تفتح لكم إذا دقت بسواعدكم ، وإن النيام لا يفتحون أبواباً ، وأملنا أن تقودنا المحن القاسية المرة والمتلاحقة والمجهولة النتائج التي تمر بها أمتكم ، إلى أن نلج أبواب المستقبل الواعد .

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

 

 

عودة